Thursday 16 February 2017

حلم التنمية المحلية





ليس انتقاصا من قدر وعلم ومكانة أحد ممن تولوا موقع الوزير، خاصة في التنمية المحلية، لأن من بينهم أصدقاء أجلاء لهم كل الاحترام، وإنما هو انطباع ذاتي تدعمه شواهد وبراهين ترقى به إلى مستوى اليقين.. والحديث هنا عن صدفة ربما لا تحدث إلا نادرا جدا في مسيرة الأوطان وهي أن تصل الأمانة إلى صاحبها وتتجه المسؤولية إلى من يستطيع تحملها، حيث اتجهت التنمية المحلية إلى هشام الشريف وما أدراك من هشام الشريف؟!!

هو باختصار من لديه مساحة في عقله ووجدانه وطاقته لحلم ناصع الوضوح، ولديه حجم من العلم والمعرفة والممارسة والإرادة ما يجعل من الحلم واقعا ملموسا وليس خيال يقظة أو يقظة احتضار، لن أسهب أو حتى أختصر الكلام عن نشأته وتعليمه وخبراته وخلقه، وأتجه من فوري إلى الحلم الذي أعرف أن هشام الشريف قادر على تخطيط وتنفيذ ومتابعة كل تفاصيله الدقيقة.

الحلم يبدأ من تطابق اسم الوزارة مع مهمتها.. التنمية التي هي بديهيا غير النمو.. والتنمية التي معلوم بديهيا أيضا أن تبدأ من الإنسان لتنتهي إليه، حيث لم يصبح البشري إنسانيا إلا بالعقل والإدراك أي بالعلم والثقافة، ففي البدء كان الكلمة وفي البدء كان اقرأ.. وقد عرف الجميع الآن أن أي جهد وأي إنجاز وأي صرح يمكن تقويضها كلها ما لم يحمها الإنسان الواعي الفاهم المؤهل وجدانيا بثقافة وطنية، وهنا تكون المحلية متجاوزة المعنى الإداري محصنة ضد البلل والغرق في مستنقعات البيروقراطية والفساد والتعصب الضيق لجهة أو طائفة أو مذهب أو دين.. حيث تبقى المحلية محصلة التكوين الحضاري والثقافي المصري الجامع الشامل.

الحلم يتحول بالوزارة من "جراج" أو "مرآب" لكبار الموظفين والمديرين وبقية الجدول إياه، لتصبح مضمارا "تراكا" تنطلق فيه كفاءات ومواهب وخبرات وجهود وطاقات ومبادرات طال كبتها ودام إحباطها وحاربها ضيق الأفق وإدمان السلامة بعدم العمل والاعتقاد أن سد الأبواب يكفل منع الريح من التدفق، فيما الريح في كل مقدس هي مصدر الخير والغيث!

الحلم هو توظيف التقاطع بين التنمية المحلية وبين بقية الوزارات إلى تكامل حقيقي يعلي من إيجابيات التقسيم العلمي للعمل ليصب في تعظيم الناتج.. فلا تنمية بغير تعليم وبغير ثقافة، وصولا إلى الزراعة والصناعة والطرق إلى آخر كل ما هو لازم للإنسان ليصنع حاضره ويصوغ مستقبله، الحلم هو أن تنتقل المبادرة والمبادأة من المكاتب حيث الموظفين واللوائح والعلاوات ودفتر التوقيع إلى براح الكَفر والعزبة والقرية والمدينة الصغيرة.. للساحات الشعبية ونوادي الشباب وسرادقات الأفراح والعزاءات وفي ليالي الموالد وحلقات الذكر وقاعات الكنائس ومعسكرات الصيف على الشواطئ!

الحلم هو أن تصبح عصمة الشعب بفئاته وقواه بيده ومعها يد نخبته الواعية بمواطنتها ووطنيتها في ضفيرة واحدة مع يد الحكومة، بشرط أن تكون يد الشعب هي الأساس ومن ثم تنشأ الأشكال التنظيمية الشعبية المساندة المتكاملة مع مجالس المحليات التي نص عليها القانون، وليست متوازية معها ولا معطلة ولا بديلة لها، بمعنى أن تكون أشكالا نوعية تضم المتخصصين والمبادرين وذوي الخبرة أكثر مما تضم غيرهم.

الحلم هو أن يجد الطفل إفطارا قبل بداية يومه الدراسي، ومقعدا يجلس عليه وملعبا ومرسما ومسرحا وحديقة!.. وأن تجد الأم ما يساعدها على اكتمال أمومتها في كل جانب، وأن يجد الأب ما يساعده على تحقيق أبوته في كل واجب!

حلم واحد له عشرات الجوانب وآلاف المشاهد، وكلما تحقق منه جانب واكتمل مشهد كان ذلك مقدمة لتحقق واكتمال ما تبقى في معادلة تراكم وتجدد مستمرين استمرار الحياة ذاتها!

وفي اعتقادي أن من سيقود التنمية المحلية ليسعى لتحقيق الحلم تتوفر لديه مقومات العلم والثقافة والمعرفة والإرادة وخبرة التنفيذ!

ثم إنها الفرصة التي طالما سعى كثيرون من أهل العلم والثقافة والأدب والفن إلى توفرها أمامهم.. فرصة وجود مسؤول يؤمن أن اقتحام الواقع المتخلف والظروف المتردية لن يكون إلا من بوابة الثقافة وبناء الإنسان المسلح بالوعي المعتز بمواطنته غير القابلة للانتقاص.. وعليه فسيذهب هشام الشريف للإنسان المصري في كل مكان..

بقي أن أقول إنني كنت أريد استكمال الكتابة عن الأستاذ هيكل في الذكرى الأولى لرحيله، التي تحل غدا الجمعة، وكنت قد بدأت الأسبوع الفائت باقتباس ما كتبه الأستاذ رحمة الله عليه عن دور البطل في حياة الأمة، غير أن التغيير الوزاري وتولي الأستاذ الدكتور هشام الشريف حقيبة التنمية المحلية جعلني اتجه للكتابة في المضمون الذي احتوته السطور السابقة، على أمل أن أستكمل ما بدأته حول الأستاذ هيكل في مرة مقبلة إن أحيانا الله.
                              

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 16 فبراير 2017.

No comments:

Post a Comment