Tuesday 1 March 2016

هيكل.. رموز قبيل العودة


هيكل

شأن عديمي الموهبة وأنصاف الموهوبين في كل مجال أنهم يشبهون بعضهم البعض.. فعبدالحليم تاجر بمرضه وضعفه ويتمه وتسلق مرتبطا بالسلطة الناصرية.. ومن قبله عبدالوهاب الألثغ حرامي الألحان ملفق الجمل الموسيقية من الغرب والشرق، تسلق على أحمد شوقي ثم خدم مزاج الملوك والأمراء.. وأم كلثوم ذات المزاج المنحرف الذي لا يعدله إلا أنفاس المخدرات، والغيورة الحاقدة على كل موهبة لدرجة القتل.. وشد حضرتك الخيط فلن تجد له آخرا، لأنه هكذا الحال في الطب وفي المحاماة وفي الهندسة وأيضا في الصحافة!

ولن تكفي صفحات "المصري اليوم" لهذا العدد إذا ضربت الأمثلة في كل تلك المجالات، خاصة أن هذه الصفحات سودت بعض مساحاتها في الأسابيع الأخيرة بكلام عن الراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل لم يراع أصحابه أن الرجل في حالة احتضار، ولا أنه غادر دنيانا ورحل، وبعض ذلك التسويد راعى الأسس المرعية في التحليل والنقد، ومعظمه كان وجها من وجوه غياب الموهبة ونقصانها!

ولا أريد أن أناقش ما تم طرحه وخاصة ذلك الذي تحدث عن مهارة الرجل في التسويق بالطريقة الأمريكانية، لأن ما كتب لا يرقى ولا يصمد أمام أية محاولة جادة للقراءة والاختلاف، وهو أقرب للردح و"المحن" منه إلى النقد المنهجي، ولأن القلم ذاته سبق له ـ ويبدو أنه يحاول إرضاء صاحب المحل ـ أن كتب عن الناصريين بطريقة مضحكة يمكن محاكاتها في كل حالات الانتماء، كأن أسألك هل أنت ليبرالي؟! إذن فأنت من الذين يوافقون على الحربين العالميتين الأولى والثانية وعلى الحرب الباردة ومن قبلها على حروب المائة عام والثلاثين عاما وعلى النازية والفاشية وعلى الاستعمار القديم، ومن الذين يؤيدون وربما يمارسون حرية الشذوذ والمثلية الجنسية والذين يلوثون المناخ ويثقبون الأوزون.. ثم هل حضرتك إسلامي؟! إذن أنت من الذين يؤيدون سحق زعيم الأنصار في السقيفة، ولا يعترضون على مشاركة كبار الصحابة ومنهم مبشرون بالجنة فيما سمي بالفتنة الكبرى.. وأنت مع الجواري وما ملكت الأيمان ومع فقه الغلمان ومع غياب أية شورى منذ بداية الحكم الأموي على الأقل ومع التوريث!!

ولا أريد أن أستطرد لأنني أعتقد أن مساحات الصحف المخصصة لكتاب المقالات والأعمدة وبقية فنون الصحافة، يجب أن تكون فيها فائدة أو شبه فائدة لمن يدفع فيها "جوز الجنيهات" من قوته وقوت عياله! والفائدة تبدأ من التوظيف الأكمل للغة كأداة للتواصل والابتعاد عن الانحدار اللفظي، كذلك الذي استخدمه أحدهم وهو يهاجم هيكل ولم يمض على رحيله إلا يومان، إذ استخدم كلمة "فشخ" ولا تنتهي الفائدة بتقديم معلومة جديدة أو تأصيل معلومة قائمة وهلم جرا!

عرفت أن الأستاذ هيكل، له الرحمة وحسن المآب، أوصى ضمن ما أوصى أن توضع في غرفته وهو في الاحتضار وردة حمراء، وأن يبث القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت رحمة الله عليه.. وأوصى بأن تشيع جنازته ويصلى عليه في مسجد مولاي الإمام الحسين رضي الله تعالى عنه!

وتسألني حضرتك عن دلالة القرآن الكريم بصوت محمد رفعت وعن المشهد الحسيني وعن الوردة الحمراء، فأقول غير عامد الشطارة في تحميل الأمور فوق طاقتها أنني طالما ناقشت الأستاذ في شأن الدين والغيبيات والحياة الأخرى، وذات مرة طلب عليّ أن أعيد قراءة كتب كارين أرمسترونج وبعدها نتناقش، وجاءت وصيته التي لم يكن مضطرا بحال من الأحوال لأن يوصي بها على النحو الذي جاءت عليه، لتؤكد ومن قبلها مناقشاتي معه أنه كان مؤمنا بوجود الخالق سبحانه وتعالى، وأنه كان له فهمه الخاص بالعلاقة بين المخلوق وخالقه، وأنه كان يتذوق بأذنه وصولا لقناعته القلبية.. وليس هناك في ظني أفضل من صوت الشيخ محمد رفعت لتذوق حلاوة قراءة القرآن وعمق معانيه، خاصة أنه معلوم عن الشيخ رفعت أنه كان يعزف الموسيقى ويدندن في أوقات خلوته!

ويمتد الخيط عن رمزية صوت الشيخ رفعت إلى رمزية مشهد مولاي الإمام الحسين، سيد شباب أهل الجنة، وبعدما سأل السائلون بعضهم مستفهما وبعضهم مستنكرا: لماذا مسجد الحسين؟! وأما المستفهم فمعلوم ماذا يريد وأما المستنكر فذهب إلى أن هيكل كان شيعيا متخفيا وأنه كان صديقا للخميني!!

إن ما يرمز إليه المشهد الحسيني هو أن صاحبه نقطة التقاء للمصريين مسيحيين ومسلمين مثلما هي العذراء مريم وماري جرجس، والشاهد هو الاحتفالات الشعبية أي الموالد الخاصة بمولانا وبالعدراء وبماري جرجس، حيث يحتشد المصريون مسلمين ومسيحيين للاحتفال ونوال البركة!.. ثم إن صاحبه رمز للتمسك بالمبدأ والاستعداد للتضحية في سبيله ولو بالحياة، وهو ما فعله مولانا في مواجهة الطغيان الأموي.. عدا أن علم الإمام بمصيره ومصير أسرته هو مسعى لخلاص الأمة من بعدهم ولكم أن تلحظوا الاشتراك في فكرة "الخلاص" بين جموع المصريين على الناحيتين!.. ناهيك عن الدلالة الروحية لاسم مولاي الإمام الحسين حفيد الرسول وسيد شباب أهل الجنة!

وإذا كانت رمزية صوت الشيخ رفعت والمشهد الحسيني متصلة روحيا، فإن الوردة الحمراء هي رمز رموز الحياة والحب والإخلاص وأيضا الجمال.. فالعمر مهما طال وردة قطفت قبل أن تذبل.. وتبقى الرائحة زكية فواحة بعد القطف والذبول.. بل وتبقى الأوراق الجافة شاهدا على سرها على مدار الأيام!

والحب مهما كان فصيحا واضحا تبقى فيه تلافيف أسراره ملفوفة لا تبوح، ثم إن الحمرة لون الدم الساري في القلب رمز الإخلاص!

كان الأستاذ هيكل يعشق الخضرة والورود بل إنني لم أشاهد جمالا لزهور "الجهنمية" مثل الذي شاهدته بالقرب من مكتبه في منزله الريفي، وكانت الفازة الصغيرة ذات الوردة الحمراء الواحدة متسلطنة على مكتبه، فيما الفازة الأكبر محتشدة بالورد على الطاولة المقابلة.

نعم قرئ القرآن الكريم بالقرب من أذنه وهو يستعد للقاء ربه، ونعم صلى على جثمانه وشيع من مسجد الإمام الحسين.. ونعم اجتهد وأعمل عقله ووظف كل طاقاته وعلاقاته من أجل أن يبقى الأول بين أقرانه الذين لم ينكر على أي منهم نجوميته.. وفي ذلك عندي حوار معه حول موقفه من منظومة ضمت التابعي وولدي أمين مصطفى وعلي وأحمد بهاء الدين وغيرهم، وأشهد أنه لم يغبن أحدا حقه في النجومية وخاصة الأستاذ بهاء.

ويا عديمي الموهبة.. ويا أنصاف الموهوبين موتوا بغيظكم.


 نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 1 مارس 2016

No comments:

Post a Comment