Wednesday 6 July 2016

آراء حول (ما البديل؟) "1"




أقول للجميع كل عيد وأنتم في أحسن حال وأتم صحة، رغم أن العيد أقبل علينا ولا نملك إزاءه إلا أن نقول له ما قاله المتنبي:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيدًا دونها بيد!
ولا أريد أن أمضي في نسج وشاحات الحزن والأنين على شهدائنا من رجال الجيش والشرطة البواسل، ومن الناس العاديين ومنهم رجال أكليروس مسيحيون دفع الجميع حياتهم فداءً للوطن.

ومن "العيد" أنتقل لما أثير في مقال الأسبوع الفائت حول السؤال الذي طرحه الصديق الأستاذ غسان طهبوب، المفكر والإعلامي العربي المرموق، وكان عن البديل الذي يجب أن يملأ الفراغ الناجم عن رفض وجود حركة الإخوان ومن ينسجون على منوالها من زاعمي امتلاك المرجعية الدينية الإسلامية، ومن المبشر أن تلقيت على بريدي الإلكتروني وعلى صفحة التواصل "فيس بوك" سيلاً من المشاركة في الحوار، وبالطبع فلن تحتمل مساحة المقال نشر ما تلقيته، وكله مهم بما في ذلك المخالف، وأستأذن في أن أقتصر على نشر بعض التعليقات، وأن أشير إلى أسماء الذين تفضلوا بالمساهمة دون أن ينتقص هذا من قدر أحد، فالمقامات محفوظة.

وأبدأ بالعتاب الذي وجهه الأستاذ الدكتور وائل لطفي، الأستاذ بجامعة القاهرة، الذي سبق وأن تكرم مشكورًا بإهدائي نسخة من كتابه "استرداد الهوية"، وفيه تصور لنموذج حضاري بديل بالمواصفات التي نتحدث عنها وهو ما نرنو إليه جميعًا، وهنا أعتذر للدكتور وائل عن تقصيري في عرض الكتاب أو التعقيب عليه ليعرف القراء أهميته، وكان ذلك لظروف صحية مؤلمة عطلت طاقتي فترة طويلة، ولكني أعد بأن أفعل ثم إني أفسح المجال للأستاذ طهبوب لكي يشرح فكرته التي نشرتها دون توقع منه بنشرها، إذ تعد سطوره ورقة الحوار الرئيسية في مجال ما نتحدث عنه، وهنا أقتبس نصًا من سطوره: "... ما كتبته هو مجرد تفكير بصوت مرتفع لشخص أفاضت عليه مهنته معرفة ناجمة عن اهتمام ومتابعة يومية حثيثة على مدار نصف قرن للأحداث والأفكار والتطورات في عالمنا العربي، والعالم، ولو كنت أعلم أن أبا محمد سينشر رسالتي لكنت اهتممت أكثر بترتيب أفكارها وأضفت إليها، وبعضها هو ما سأسرده تاليًا.... جيلنا عانق الأحلام الكبيرة، ورآها تتكسر حلمًا وراء الآخر، رأى تجارب وحدوية تفشل، ورأى دولاً عربية تستباح، وأخرى تتفكك، ورأى إسرائيل تعربد وتتمدد، ورأى العالم من حولنا يتغير، بينما عالمنا العربي مكانك سر إلا من رحم ربي... كذلك رأى جيلنا إمبراطوريات تتفسخ وأخرى تتعسف بأوهام نهاية التاريخ وصراع الحضارات. ورأى هذه الأوهام وهي تتساقط، فنهاية التاريخ بالانتصار الحاسم للرأسمالية تنفي نفسها بالأزمة المالية العالمية 2008 المستمرة تداعياتها حتى اليوم، وصراع الحضارات يتجلى في أعلى درجاته داخل البيت الغربي، بالصعود المتواصل لليمين المتطرف في بريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا وغيرها، مما ينذر بفاشية جديدة محتملة.. وأمام أعيننا أزمة الاتحاد الأوروبي قبل وبعد التصويت البريطاني على الخروج من الاتحاد، وأزمة بريطانيا نفسها التي انقسمت رأسيًا وإقليميًا بين مؤيد ومعارض، وأزمة علاقات روسيا بالولايات المتحدة وأوروبا، وكلها في التصنيف العلمي تنويعات في شجرة الحضارة الغربية، ويكتمل المشهد بالانقسام الداخلي الأمريكي العميق الذي يفصح عنه صعود اليميني المتطرف مرشح الرئاسة دونالد ترامب. أعدد هذه التطورات التي حدثت خلال عقدين، وهي مجرد عناوين مختصرة وغيض من فيض، لأشير إلى أننا لسنا وحدنا في العالم العربي نخوض غمار تحولات كبرى، ولسنا وحدنا الذين يشعرون بعدم اليقين بالمستقبل. دول ومجتمعات الحداثة الناجزة وما بعد الحداثة مسكونة بعدم اليقين بفعل الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وتنامي الشعبوية، وفقدان الثقة بقدرة المؤسسات الرسمية على اجتراح حلول للأزمات الداخلية، وهي أيضًا تخوض غمار تحولات كبرى لا تقل عسرًا عما تواجهه منطقتنا العربية، وإن كانت حتى الآن مبرأة من العنف والدم، لكن مؤشرات العنف تترى، وآخرها اغتيال النائبة البريطانية بطلقات متطرف بريطاني اعتبر التزامها الإنساني خيانة!! وكما حدث عندنا من محاولات جرنا إلى الماضي، وإلغاء المستقبل من حياتنا، تحدث في الغرب اليوم المحاولات نفسها بجر دول غربية إلى الماضي القومي المتعصب الذي أنتج النازية والفاشية وتسبب بحربين كونيتين. أحسب أن العالم العربي بعد نيف وخمس سنوات مما أطلق عليه الإعلام الغربي (الربيع العربي) بات أكثر معرفة بنفسه ومعضلاته، وأكثر وعيًا على متطلبات التقدم والتغيير الإيجابي البناء وأولها الحفاظ على الدولة ومؤسساتها أيًا كانت الملاحظات على الأداء. فالبديل عن الدولة ومؤسساتها هو المجهول والخراب وميليشيات العنف والتكفير والقتل التي انتهت مطايا لقوى إقليمية ودولية تستخدمها لخدمة مصالحها، على غرار النماذج الصارخة في سوريا وليبيا واليمن والعراق.... مثل غيري شعرت بالجزع من المآلات التي آلت إليها دول (الربيع)، لكن نجاح المصريين في استرداد دولتهم في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات أنهى جزعي، والتفاف دول عربية حول الدولة العائدة إلى شعبها أومأ إلى ضوء في نهاية نفق (الربيع). إذا قامت مصر قام العالم العربي، وإذا أخذت الوطنية المصرية تجلياتها (كما قال أستاذنا أحمد بهاء الدين ذات يوم) صارت العروبة بخير... أنا متفائل بالمستقبل، ولعله ليس من قبيل المغامرة القول بأن (الربيع) الذي حدث قبل نيف وخمس سنوات تأخر عن موعده أكثر من مائة عام، اتسمت خلالها الحياة العربية بضبابية وارتباك المفاهيم المؤسسة وتجسيداتها العملية: كالمواطنة والدولة الوطنية والديمقراطية والتقدم والتحديث والحكم الرشيد، وبالعجز عن تجليس العلاقة بين الدين والدولة، وبين الدين والسياسة. لقد آن للضبابية والتلفيق والكلام المرسل أن يتوارى... وهو يتوارى وإن ببطء".

ثم كتبت السيدة ماجدة أباظة، صاحبة الموقف الوطني الصلب والفكر المستنير، التي أحرص على قراءة كل حرف تكتبه: "نحن في مرحلة مخاض وتحولات كبيرة في منطقتنا وفي الدوائر الدولية... كل الأطراف تحاول رسم سياسات جديدة حاليًا فالكتاب مفتوح.... للأسف لا يوجد قوى سياسية جاهزة للقيام بأي عمل جماعي، حيث سقط منها جماعات كثيرة في بئر التمويلات والتبعية، والمتبقي يفتقد لأمور كثيرة أعتقد أن الجميع يدركها.. لكن الدولة المصرية ناهضة وبقوة، بالرغم من كل المعوقات المؤسسية والفساد والترهل الذي أصابها في عقود كثيرة مضت... لكنها واعية بدورها جدًا وتستعيد ذاتها بكل عنفوان الميراث المصري.... تختلف التجربة إيجابًا لأنها تعتمد على مسارات شعبية خارج الأطر التقليدية أو التنظيم السياسي الداعم... بالرغم من صعوبته لأنه يزيد من توقعات الدولة على الفطرة والأداء الخالص.... اليوم إلى جانب ضرورة الدفع في اتجاه تغيير منظومة بعض القوانين المعيقة جدًا لإعادة هيكلة الإدارات فالدولة تحتاج إلى كل العناصر الفاعلة في مواقعها وبجدية، بل واستنفار روح حرب الاستنزاف... معادلات جديدة نتمنى أن نكون على مستوى التحديات بإذن الله... دمتم دومًا بكل خير..

وكتبت الأستاذة الدكتورة جمال حسان الأديبة الروائية وأستاذة الطب النفسي ببريطانيا: "بناء الفرد الواعي المدرك لأبعاد المرحلة التي نمر بها، وتحريره من ربقة الفقر والعوز. وهناك جهد تقوم به الدولة بمؤسساتها للخلاص من مستنقع العشوائيات وطرح السلع بأسعار تنافسية. فيكون صوت الفرد في أي عملية انتخابية خاليًا من شبهة الزيت والسكر. كما أن بوادر اتزان في السياسة الخارجية تتضح يومًا بعد يوم لتحقق معادلة توازن بين ما يخص الوطن دون استفزاز للقوى المتربصة على الساحة منذ الأزل، برغم تغير الوجوه والأقنعة.. يومك فل أستاذنا الكبير.

أما الأستاذ الدكتور أحمد مرسي، فقد وجه دعوة للحوار هو مضيفها: "الأمر جد خطير ويحتاج إلى تفكير شجاع خارج زكايب الهم المربوطة والمليئة بما يعف اللسان عن ذكره... دعنا نلتقي بعد العيد ونفتح زكايب الهم المربوطة.. لعلنا نبتكر زكيبة جديدة تجمعنا.. وأنا الداعي لمن يرغب في المشاركة.

وكتب الأستاذ صلاح حجازي: "يمكن وصف السؤال المطروح بأنه ينطبق عليه وصف هذه هي المسألة كما قال شكسبير على لسان هاملت!!!! وهو سؤال ليس جديدًا بل أثارته من قبل خيبات عصر النهضة العربي منذ بدايات القرن التاسع عشر وعصر الطهطاوي، وهزيمة كل الجهود أمام سيطرة الثقافة التقليدية في مجتمعات قبل حديثه كما وصفها عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم نقلاً وتصحيحًا لعالم الاجتماع الألماني تونز.... ومادام المجتمع بهياكله الاجتماعية والاقتصادية قبل حداثي سيظل خطر الإخوان والسلفيين قائمًا.... ويتلاشى الخطر بالانتقال إلى مجتمع آخر صناعي لا استهلاكي منتج، ويعتمد على قيم تنبثق من روابط مهنية إنتاجية وليس من تجار الدين، وهذا يحتاج بالطبع إلى تفصيلات كثيرة.

ثم أختم بما كتبه الصديق الأستاذ أسامة عفيفي رئيس تحرير الفكر المعاصر: "صدقني يا عم أحمد العروبة هي الحل... الفكر القومي العربي يقي هذه الأمة شر الطائفية والعنصرية والقبلية والتبعية ويفتح الباب أمام صياغة عربية إنسانية تحررية تقدمية... الكرة الآن في ملعب القوميين العرب المخلصين لإعادة النظر في الفكر العربي المعاصر وجدله مع الواقع المتغير لابتكار بديل عربي تقدمي من فوق أرض مصر العربية التي تسترد عافيتها الآن، رغم المؤامرات المحيطة بها وبالمنطقة، سلمت رؤياك ورؤيتك.

وفي الأسبوع المقبل أفرد المقال لوجهات نظر إضافية لا تقل أهمية، وبذلك تتسع دائرة الحوار حول ما البديل بعد ذهاب الإخوان ومن على شاكلتهم؟!
                        
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 6 يوليو 2016.

No comments:

Post a Comment