Tuesday 23 May 2017

السؤال المعضل




مذبحة القطط على أشدها بين السلطة وبين بعض أصحاب الثروات.. كل طرف يحاول أن يخيف الآخر حتى لا يستمر فيما هو فيه! وقبل أن أكتب عن موضوع الصراع بين الطرفين أذكركم بحكاية "ذبح القطة".. وسأذكر الرواية اللبنانية أو المشرقية، إذ يسمى القط "بسا" – باء، سين، ألف - وحيث يقول المثل هناك "اذبح بسك ليلة عرسك"!! وتبدأ الحكاية بمن تزوج وبعد فترة اكتشف أن زوجته عنيدة سليطة لا تقيم لكلامه وزنا، فذهب إلى صديق له يعرف أن زوجته مطيعة مؤدبة تلبي أية إشارة منه وسأله كيف حدث ذلك؟ فرد الصديق أنه في ليلة الدخلة جلس على طرف فراشه وكان لديه "بس" أي قطا يحبه، وجاءه القط ليأوى إلى حضنه كالعادة، ولكنه استل سكينا وذبح البس أمام عروسه التي أصابها الرعب، وظلت تفكر كيف تحمي نفسها كي لا تلقى مصير القط، وعاد صاحبنا وجاءه قطه الذي يحبه فهجم عليه وذبحه أمام الزوجة إياها، فإذا بها تنتزع السكين من يده، وتصيح في وجهه: "يا جبان يا ظالم تتشطر على البس الغلبان، ولو كنت رجلا كنت فعلتها مع فلان الذي يؤذينا كل يوم"! وعاد إلى صديقه يجر أذيال الخيبة وعلق الصديق قائلا: "اذبح بسك ليلة عرسك"!

لقد قررت السلطات أن تسترد أراضي الدولة التي نُهبت أو سُرقت أو وضُعت الأيادي عليها بغير سند، وتم تكليف الجيش والشرطة بالمهمة، وتحركت القوات والجرافات واتسعت مساحات التغطية الإعلامية، وفي المقابل سارع الطرف الآخر بتشبيه ما يجري بما سبق وجرى أيام لجنة تصفية الإقطاع في الستينيات، وكيف استبد الرعب بالناس وكيف حدث الظلم والاستباحة.. ثم كانت المحصلة هي هزيمة 1967، فإذا أضفنا إليه كلاما آخر من نوع السلطة تعادي المجتهدين، وتقتل المبادرات الفردية التي لا غنى لأي تقدم اقتصادي عنها، والسلطة مُكبلة بتراث الشمولية والاشتراكية ومخترقة من فلول التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب! عندئذ ندرك أنه ذبح قطة من طراز فريد بالغ الحنكة! ومتمم لمرحلة تكتيف القطة تمهيدا لذبحها، وهي المرحلة التي أحجم فيها الأثرياء المصريون عن مد يد العون لنظام 30 يونيو في المشاريع العملاقة التي أقدم عليها كمدخل لنهضة شاملة، ولعل من يرصد الخطاب الإعلامي والسياسي للأثرياء المصريين - الذين لا تصدق فيهم ولا عليهم صفة الرأسمالية بالمعنى الاقتصادي والتاريخي والثقافي - يجد أنهم لم يتوقفوا لحظة عن الاستمرار في اغتيال شخصية عبد الناصر، ولا عن التنكيل بتجربة ثورة يوليو ككل، لأن ذلك كان "ذبح القطة" للنظام القائم وللجيش المصري بوجه خاص! ولو من بعيد لبعيد، إلى أن جاءت اللحظة التي لا تحتمل إلا الكلام المباشر الصريح بغير لبس ولا تأويل ليقولوا.. أنتم تسيرون مباشرة ومجددا إلى يونيو 1967.. وهو تذكير بمنطق "إن كنتم نسيتم ما جرى.. هاتوا الدفاتر تنقرا"، أكثر منه مساهمة في رسم طريق آمن للمستقبل بغير أن تمتد الأصابع لنشل أراضي الدولة.

ولكم وددت لو أن أحدا من محترفي نهب أصل أصول ثروة الوطن وله اسم دلع هو "وضع اليد" يكتب دليلا يحتوي خطوات الطريقة المثلى لهذا النشاط، وما المهارات والأدوات اللازمة ويجب توفرها لدى من يقوم بالمهمة، حيث باتت الأمة تعرف منذ مدى طويل المهارات والأدوات التي يجب توفرها للنشالين والهجامين والناضورجية وغيرهم من فئات التخصص في سرقة الأشخاص والمنازل والمواشي والمزارع وخطف العيال وغيرها، وكيف يمكن تنميتها وتطويرها مثلما يظل النشال يتدرب على تمزيق ملابس الضحية دون أن يشعر للوصول للمحفظة، ويقال إنه يتدرب على استخدام المشرط في شرط ورقة لف السجائر البافرة، وهي على وجه الماء دون أن يبتل سن المشرط!!

سيقال أنه في الطبيعة، وهي المعلم الأول، يتمكن الثعبان من ابتلاع فريسة بحجم بقرة صغيرة أو غزال أو حتى تمساح، وعلى غراره يبتلع نشال الأرض - أو تأدبا "واضع اليد" - مئات الأفدنة دفعة واحدة وربما بضعة آلاف، ولكن الفرق معلوم لأن الثعبان يفعلها مرة كل ستة أشهر مثلا ليعيش، أما البشر فمستعدون لفعلها كل لحظة حتى وإن كانت تمثل لحم الوطن.

ولقد انشغلت البشرية بمعضلة النهم للثروة والإثراء، وظهرت نظريات وفلسفات ومذاهب واشتعلت حروب وصراعات ومازالت تشتعل ولم تأت بعد الإجابة الشافية على سؤال هو: كيف نقيم التوازن بين طموح الفرد ونهم البعض للاستحواذ والثراء بدون أية ضوابط وبين مصلحة الوطن وحقوق المجتمع؟!

ربما وجدنا في ثنايا تاريخنا الوطني إجابة، لذا فمقالي المقبل عن دراسة حول طلعت حرب.
                       

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 24 مايو 2017.

No comments:

Post a Comment