Wednesday 31 May 2017

إشارة لا بد منها




أؤجل الكتابة عن طلعت حرب لمرة مقبلة، إذ كنت قد ختمت مقال الأسبوع الفائت بوعد أن أكتب عنه في سياق دور الرأسمالية المصرية في بناء الوطن، وسبب التأجيل أمر مزدوج، منه أنني لم أنتهِ من قراءة المادة العلمية التي أستند إليها، ومنه أنه يلزم التنويه المفصل للمرجع الأساسي الذي أستند إليه، وهو تنويه يفتح الباب أمام حديث، رغم أنه مكرر، إلا أنه في نظري شديد الأهمية، ويستحق أن نظل نطرقه إلى أن يلين ويتشكل.. بلغة طرق الحديد! هو الحديث عن دور النخبة العلمية والفكرية المتصل اتصالًا لا ينفصم بدور رأس المال ودور قوة العمل معًا وفي آنٍ واحد.

المرجع الذي أود أن أشير إليه هو رسالة دكتوراه من جامعة شيكاغو، كتبها إيريك دافيز، ورغم أنها كتبت ونوقشت منذ مدى طويل نسبيًا، إلا أن موضوعها وعنوانه "طلعت حرب وتحدي الاستعمار.. دور بنك مصر في التصنيع 1920 - 1941"، ما زال يفرض نفسه على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مصر، خاصة خلال هذه الفترة التي نعيشها الآن.

وفي مقدمة البحث تأتي الإشارة إلى عشرات الأسماء، التي ساهم أصحابها في مساعدة الباحث، ومنها أسماء أرى من واجبي أن أعيد التذكير بها الآن، لأن -"الخواجة" - صاحب البحث كان لديه الأصالة والأمانة الكافيتان، ليذكرهم اسمًا اسمًا، وفي المقدمة السيد جلال عزت زوج حفيدة طلعت حرب، الذي أتاح للباحث فرصة الاطلاع على وثائق طلعت باشا، ثم السيد محمد فؤاد سالم، الذي أطلع الباحث على وثائق والده محمد فؤاد سالم حجازي، الذي كان صديقًا مخلصًا لطلعت حرب، ثم السيد راغب إسكندر، الذي أتاح فرصة الاطلاع على أوراق والده إسكندر مسيحة، أحد الأعضاء المؤسسين للبنك، وبعدها تأتي أسماء السيد نبيل رأفت من وزارة الخزانة المصرية، والسادة موظفو دار المحفوظات المصرية، الذين لولا جهودهم ما تمكن الباحث من دراسة وثائق الدار، ثم السيد محمد أمين أحمد السكرتير الإداري لطلعت حرب الذي يقول عنه الباحث: ".. فضلًا عن الساعات الطويلة التي قضاها معي في حوارات ممتدة فإنه أمدني بأوراق إضافية حول بنك مصر، وكذا بالصور التي تظهر في الكتاب، واهتمامه بهذه الدراسة قد عكس ولاءه الشديد لطلعت حرب ومشروع بنك مصر".. أما السيد محمود سليمان غنام فقد أعطى الباحث نسخة من المحاضر غير المنشورة للجلسة المغلقة للبرلمان المصري، التي عقدت عام 1941 لمناقشة المصاعب المالية، التي تواجه بنك مصر وشركاته.. وبعدها تأتي أسماء يشكرها الباحث، منها الدكتور علي الجريتلي والسيد فتحي رضوان، والدكتور عبد الحميد الشريف، والدكتور عاصم الدسوقي، وسوسن المسيري وطلال أسد.. وغيرهم.

لقد ذكرت الأسماء المصرية التي أشاد بها الباحث ليس لملء المساحة، ولا لأنني أعرف بعضهم عن قرب، ولكن لألقي بعض الضوء على أن الروح المصرية المتقدة دومًا للعطاء والإنجاز والمساهمة في العمل الجاد، لا تتردد عن التجلي إذا صادفها ما يحفزها لذلك، وتجد متعة لا حدود لها في العطاء التطوعي، طالما هو في خدمة مصر والحقيقة.

وأنتقل إلى الناحية الأخرى وفيها الناشر والمراجع كاتب التقديم.. فأما الناشر فهو الأستاذ عادل المعلم، الذي أظنه ظلم كثيرًا بسبب من ظلال كثيفة حجبته وحجبت دوره كناشر جاد هي ظلال الأخ الأكبر، الذي شاءت الظروف أن يستحوذ هو على الأضواء والأدوار لسبب أو آخر، لست بصدد مناقشته، رغم أن لدي ما أقوله، وقد كان عادل المعلم من وراء لفت نظر الأستاذ الدكتور إبراهيم فوزي للكتاب، وقد أشار الدكتور إبراهيم لقصته مع الناشر في سطور تقديمه، التي استغرقت طوال سبع صفحات، وفيها نبذة مطولة عن الأستاذ محمد المعلم، وعن عادل المعلم ودورهما في صناعة النشر وفي التنوير، ويشير فيها إلى أستاذه في الكلية الجامعية في لندن ببريطانيا، وهو الأستاذ "بيشوب"، الذي أرسى في عقل تلميذه إبراهيم فوزي قاعدة إنسانية وأخلاقية ووطنية عالية القيمة، عندما قال له إن أستاذ الجامعة الحق لا بد أن يكون كالمنارة ترسل ومضاتها البراقة في كل اتجاه حولها مخترقة ظلمات البحر الدامسة، وأن ومضاته تلك لا بد أن تستمر طوال الوقت تهدي القوارب الصغيرة، كما تهدي السفن الكبيرة، رغم أن أحدًا لا يعلم من سوف يصل على هديها، ولا متى سوف يصل إلى شاطئ نهاية الإبحار، وبداية الانطلاق في أرض الله الواسعة.

وعليها يا حضرات لم يتردد ولم يتخلف الدكتور إبراهيم فوزي لحظة عن أن يكون تلك المنارة.. وعن أن يتجه إلى تبسيط المعقد الصعب من العلوم، كي يصل التفكير العلمي إلى أوسع نطاق في المجتمع، وهنا أذكر أنني كتبت منذ عدة شهور عن كتاب ميكانيكا الكم الذي بسطه الدكتور فوزي.

وما من مرة التقيت فيها ذلك العالم الجليل إلا وجدته مهمومًا بواقع وطننا، ومستغرقًا في التفكير في مستقبله.. وهكذا أنا مدين له دينًا مركبًا ليتني أوفي بجزء منه في المقال المقبل عن "طلعت حرب وتحدي الاستعمار"، لعل وعسى يستفيد أصحاب الثروة من تجربة رائد الصناعة والاقتصاد الوطني.
                              

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 31 مايو 2017.

No comments:

Post a Comment