Thursday 23 June 2016

أفعى الكراهية.. ونموذج الإمارات




أواصل ما أجّلته الأسبوع الفائت عن الأفعى السلفية التي يتفرخ من جحرها الإرهابيون بعد أن تتم تهيئتهم ذهنيا وعقديا لممارسة الإرهاب تحت مسمى الجهاد، وهو ما أعلنه المتهمون في مذبحة رجال الشرطة بحلوان.. إذ عقب ما نشرته منذ أسبوعين تلقيت سيلا من التعقيبات المكتوبة على صفحات التواصل الاجتماعي، بعضها يزيد الأمر وضوحا وعمقا وبعضها يتساءل عن موقف النظام من خطورة التكوينات السلفية، والآخر يتساءل مستنكرا تغلغلهم في أوساط عديدة ومجاهرتهم بأفكارهم وممارساتهم المخالفة للدستور والمجرمة بالقانون، ويرون في استمرار ذلك موافقة صريحة من النظام على تلك المخالفة وذلك الإجرام، أو على الأقل صمتا متعمدا حتى لا يقال إن النظام ضد الدين إثر المعركة مع الإخوان!!

ومن أبرز ما تلقيته من تعقيبات على "الفيس بوك" ما كتبه المفكر الوطني أستاذ طب القلب شارل مجلي ومنه أجتزئ ".... مازلت تنكأ جراحا عفنة انطوت على ما بها من قيح واستمرت ترسل سمومها في جسد بلادنا.. قلت ما كنا نريد قوله منذ أزمنة ولكن منعنا الماء الذي في فينا.. وهل يتكلم الذي في فمه ماء؟!".. المشكلة الأساسية ليست في القدرة على الإصلاح ولكنها في انعدام الرغبة في ذلك، أو قل الرغبة في أن يستمر هذا الوضع العفن.. إن كل الناس يعرفون أن من يفرط ويغالي في إظهار تقواه ــ المصطنعة بالطبع ــ هو أبعد الناس عن هذه التقوى، وأن من يدعو إلى مجامعة الصغيرة إن طاقت الوطء ومفاخذة الصغار ومجامعة المتوفاة لا يعدو أن يكون شخصا يكمن عقله أو نهاه في خصيتيه، كما نعت المتنبي كافور الأخشيدي.. إن الموضوع يضرب بجذوره في عمق التاريخ ولكنه هدأ في عهد أسرة محمد علي وفي الحقبة الناصرية ليزدهر بعد ذلك ويفرخ ويتوغل بقوة في حقبة السادات وعثمان أحمد عثمان وعثمان إسماعيل لا سامحهم الله على جرمهم في حق الوطن، ثم تغاضى عنه حسني مبارك طويلا حتى شعر بالنار تكاد تلامس مقعدته الثقيلة فانتفض أمنيا، فدخل هؤلاء الجحور إلى حين واتجهوا لعقد الصفقات مع الحاكم المخلوع.. إن المشكلة الكبرى أيضا هي استمرارية رجال العهود السابقة بمنهجهم العفن في السيطرة على مقاليد الأمور في الوزارات والحكم المحلي ومؤسسات دينية مترعة بالكره للآخر وللأغيار أيا كان دينهم أو حتى مذهبهم إذا كانوا من الدين نفسه.. وأزعم أن محاولاتنا تحميل المسئولية كلها لمؤسسة الرئاسة هي ظلم لها وتشتيت لجهودها المبذولة نحو محاولة تحريك مصر من موقع شبه الدولة إلى موقعها الطبيعي كدولة محترمة.. والسؤال الآن من أين نبدأ وقد اتسع الخرق على الراتق كما يقولون؟!" ثم يختم الدكتور شارل تعقيبه بقوله: "دعنا نتمسك بالأمل ونعلل أنفسنا بأن أول الغيث قطرة.. ونحاول تعليق الجرس في رقبة كل قط.. بل كل ثعلب مفسد للكروم"!!

انتهى تعقيب الدكتور شارل مجلي الذي أحييه على عربيته السليمة وبلاغته الثرية، وأستأذن أن أكتفي بتعقيبه كعينة لما تلقيته حول موضوع الأفعى السلفية، وأرفع صوتي مجددا ولن أمل من التكرار والتأكيد أن الأمر يتصل بحاضر وطن ومستقبله ضمن محيط مكاني وزماني تعلو فيه الأعاصير والأنواء ولا مجال للمواجهة إلا بمشروع وطني شامل متكامل، يعلي من شأن العقل والعلم والعمل ويضع التراث والعقائد الدينية موضعها السامي الرفيع الذي يليق بأصل وجودها وهو الاستخلاف في الأرض وإعمارها بالعلم والعمل والخطأ وتصحيح الخطأ.

بعد تعقيب الدكتور مجلي أنتقل إلى رسالة جاءتني من صديق وزميل يعمل في حقل الصحافة والإعلام عقودا طويلة، ويعترف وهو غير المصري بفضل مصر الذي لا ينكر على أجيال عربية تكونت علميا ومعرفيا وقوميا في مصر وجامعاتها ومجتمعها، فقد لفت الأستاذ غسان طهبوب نظري إلى خطوة كبرى خطتها دولة الإمارات العربية المتحدة بإصدار قانون لمكافحة التمييز والكراهية ويجرم كافة أشكال ازدراء الأديان والمقدسات وخطابات الكراهية والتكفير.

ومعلوم أن مجتمع الإمارات العربية شأنه شأن عديد من مجتمعات دول الخليج العربية يعرف تنوعا ديموغرافيا هائلا فيه العديد من الجنسيات والأعراق والثقافات والعقائد.. وفيه بالتالي من ينتمون لديانات غير الإسلام واليهودية والمسيحية، وكان أتباع تلك الديانات من هندوسية وبوذية وغيرهما يتعرضون لخطابات تمييز وكراهية من بعض دعاة المنابر، وجاء المرسوم بقانون رقم 2 لسنة 2015 لينهي هذا الوضع، وبالطبع لن أستطيع نقل كل مواد القانون ولكنني سأكتفي بالإشارة إلى فقرة فيه أو مادة استوقفتني طويلا وتمنيت لو أن ما في مصر من مواد قانونية تتصل بمسألة ازدراء الأديان قد تضمنت ما تضمنه القانون الإماراتي.

فوفقا للمرسوم بقانون الصادر هناك "يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعية أو مركزا أو هيئة أو منظمة أو تنظيما أو جماعة أو فرعا لإحداها أو استخدم لذلك أيا من الوسائل بغرض ازدراء الأديان أو التمييز أو إثارة خطاب الكراهية أو تحبيذ ذلك أو الترويج له، كما يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات كل من انضم إلى أي من الجهات المنصوص عليها أعلاه أو أعانها بأية صورة مع علمه بأغراضها".

وفي فقرة أخرى نص المرسوم بقانون على "المعاقبة بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تجاوز مليوني درهم إذا وقعت بعض الجرائم المنصوص عليها من موظف عام أثناء أو بسبب تأدية عمله أو شخص ذي صفة دينية أو مكلف بها أو وقع الفعل في إحدى دور العبادة كما يعاقب بالسجن المؤقت كل من استغل الدين في رمي أفراد أو جماعات بالكفر سواء بالقول أو بالكتابة أو باستخدام أي من الوسائل وتكون العقوبة الإعدام إذا اقترن الرمي بالكفر تحريضا على القتل فوقعت الجريمة نتيجة لذلك"!!

هكذا يفكر ويشرع الناس الذين يعرفون حجم المخاطر الحقيقية التي تهدد وجود مجتمعهم فلم يميزوا بين الأديان سواء سماوية أو غير سماوية، ووصل الأمر إلى إعدام من يرمي أحدا بالكفر، سواء كان المقصود فردا أو جماعة وأدى ذلك إلى وقوع جريمة القتل.. وعندئذ يساورني سؤال هو: ماذا يكون مصير الذي يجلس متنطعا ليحض على كراهية الزوجة المسيحية المتزوجة من مسلم ويسم المواطنين المصريين غير المسلمين بأنهم كفار؟! أظنكم تعرفونه.
                          
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 23 يونيو 2016.

No comments:

Post a Comment