Thursday 9 June 2016

مجلس النواب والأفعى السلفية


أذاع التلفزيون المصري مساء الأول من أمس الثلاثاء بيانا من وزارة الداخلية يتضمن وقائع مطاردة المجموعة الإرهابية التي ارتكبت مجزرة رجال الشرطة في حلوان والقبض على بعضهم ومصرع البعض الآخر، بعدما قاوم الشرطة بإطلاق الرصاص من رشاشات آلية!

كنت أشاهد ما على الشاشة وفيه تشابه مع حالات سابقة، وفيه أيضا تتشابه وجوه المتهمين وقسماتهم التي تكشف عن غلظة وحشية، وتوقفت أمام أمرين الأول هو سرد المتهمين لجزء من سيرتهم الذاتية وفيها يجمعون على أنهم بدأوا مقتنعين بالسلفية وانضموا إلى حركتها ومنها انتقلوا إلى الجهادية حيث وجدوا من أقنعهم بذلك.. والأمر الثاني هو برود المتهمين وهم يعترفون بالقتل والسرقة وتكرار ذلك مرات عديدة في مواقع مختلفة!، وكانوا يذكرون وقائع سرقة السيارة نصف النقل التي استخدموها في الحادث، وأنها مملوكة لمواطن مصري مسيحي قتلوه ثم غيروا لون السيارة من الأزرق للأبيض.

السلفية إذن هي الأرضية الأساسية التي فيها التكوين والاقتناع، ثم منها الانتقال إلى الجهادية!! وبصرف النظر عن اللجاجة في الفرق بين السلفي وبين المتسلف وأيضا بين المجاهد وبين الخارج القاتل إلا أن الحقيقة القائمة التي تخزق عيوننا كل يوم هي أن الذي نراه ونتابعه ونسمع ونرى فتاواه وآراءه هو سلفية ياسر برهامي ومخيون ومن هم على شاكلتهما، ولا فاعلية للسلفية الحقيقية التي يذهب بعض الناس الواعين الفاهمين إلى أنها أمر آخر غير هذا الذي نتحدث عنه.. فالعبرة عندنا وفيما نعاينه هي بما نعانيه ويصدمنا كل لحظة صائحا أنا السلفي ولا أحد سواي.. وبالتالي فأنا المسلم الحق ولا أحد غيري، وبقية المجتمع فسقة زنادقة حتى وإن شهدوا أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاموا رمضان وحجوا البيت، إضافة إلى الكفار الذي هم المسيحيون واليهود حتى وإن آمنوا بالله وملائكته واليوم الآخر وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وسارعوا إلى الخيرات وكانوا من الصالحين!

وهنا أقول ببساطة إن هؤلاء المجرمين الإرهابيين الذين قتلوا أبناءنا واستحييوا نساءنا وضربوا عامرنا وأفسدوا في الأرض صادقون مع أنفسهم ومع ما يعتقدون، لأن من يتتلمذ على يد سلفية برهامي ومخيون وأشكالهما لابد أن يصل إلى اعتناق جهاد القتل والتخريب وهدم الدولة وتقويض المجتمع وإهدار دم كل مخالف مهما كان الضرر الواقع على الأمة!

المتهمون الذين ظهروا مساء الثلاثاء أول أمس يتحدثون بعقل واع ودم بارد وهدوء عجيب عن جرائمهم، صادقون مع أنفسهم ومع تطورهم من سلفية برهامي إلى جهادية داعش والقاعدة وغيرهما، أما الكاذبون الذين يمارسون "تقية" من نوع خاص وخطير فهم الذين يتصدرون المساجد وحلقات الدرس وشاشات التلفزيون ويدخلون البرلمان ويحضرون اجتماعات رئيس الجمهورية باعتبارهم أنقى من في الأمة إيمانا وأنهم لا يعملون ضد الدولة وأجهزتها ومؤسساتها!

وتعالوا أيها السادة نحاول تبين من هو الأكثر إجراما هل هو من يمسك البندقية الآلية والقنبلة بيديه ويغامر بحياته إما مقتولا أو مسجونا بالمؤبد، أم هو من يعكف وبدأب وبخطة ممنهجة موضوعيا وزمنيا على تفريخ العينة الأولى ويجهزها عقليا ونفسيا وبدنيا للإمساك بالبندقية الآلية والقنبلة لقتل الآخرين؟!!

تعالوا نطالب أجهزة الدولة المعنية بالأمر مباشرة - وهي الداخلية والأمن القومي - بأن تقدم لمؤسسات الدولة من تشريعية وتنفيذية تقارير مدروسة وموثقة حول وضع من يسمون بالسلفيين في مصر وتشعباتهم في الخارج والداخل، وما يقدمونه من برامج تثقيفية ودعوية وتحريضية، وكم رجلا وشابا وصبيا وامرأة وفتاة تلقوا هذه البرامج، وماذا كان مسارهم ومصيرهم بعدها.. كم منهم تحول إلى صانع لإرهابيين جدد وكم منهم تحول إلى صانع للقنابل وحامل للبنادق وكم منهم تحول إلى محترف سرقة سيارات وتغيير مواصفاتها وسرقة بنوك وبيوت وغيرها لتمويل العمليات؟!

تعالوا نخاطب مجلس النواب، وعلى رأسه أستاذ قانون، ومن وكيليه نقيب الأشراف ونطالبه بأن تنظر لجانه المختصة في اعترافات وأقوال أولئك المتهمين، ثم تقوم اللجان عبر خبراء متخصصين في تتبع كافة الخيوط السياسية والفكرية والدعوية التي نسج منها هذا النسيج الدموي الرهيب.. ولنتوقف جميعا أمام الاعتراف بأن البداية هي الاقتناع والانضمام للفكر وللحركة السلفية! ومن الممكن لمجلس النواب ولجانه أن يطالعوا عشرات التسجيلات المدونة على اليوتيوب وفيها يبث أئمة المتسلفين سمومهم علنا، ويتحدث برهامي عن "إخوانه في الوطن" الكفار الذين مصيرهم إلى جهنم.. ويقصد علنا المسيحيين المصريين، ثم بعد ذلك يتم الاكتفاء بمطاردة المجرمين الذين باشروا التنفيذ، ويترك الذين علموا وثقفوا وهيأوا وأقنعوا وفرخوا يرتعون ويعربدون في أرجاء الوطن واعتبارهم أصحاب شرعية حزبية وسياسية، إن ما سمعناه وشاهدناه من اعترافات خطيرة، لا يدع مجالا للريبة وإدارة الظهر للحقيقة!

إنني لن أنحى فقط المنحى الذي أراه صحيحا أيضا، وهو أن ما يقوله أمثال برهامي عن المسيحيين والمسيحية ويدرسه لأتباعه هو ازدراء للأديان، يفوق ما أتهم به إسلام بحيري وناعوت بما لا يقاس، ولكنني أتجه مباشرة إلى أن القضية تجاوزت ازدراء الأديان وبث الفتنة الطائفية إلى صميم وجود الوطن وصميم مؤسساته وأجهزته، ووصل الأمر إلى أن فكر ودعوة السلفيين في مصر يفرخ بالحتم والتطور الطبيعي عناصر الإجرام التي تقتل وتدمر وتخرب بدم بارد وعقول وحشية، معتبرة أن ما تقوم به هو صحيح العقيدة الذي رضعوه في حلقات دروس الدعوة السلفية.
                         
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 9 يونيو 2016

No comments:

Post a Comment