Wednesday 20 February 2019

من السوفالدي.. للدستور!


في "الفيس" ينشر بعض السيدات والسادة الذين يتابعون ما يكتب هنا وأضعه على صحفتي الإلكترونية؛ ردودًا وتعليقات وآراء تتفق وتختلف.. تنتقد وأحيانًا تهاجم وتسخر، ولا أنكر أنني أوصد الباب في وجه من يتجاوز، خاصة إذا أخل بالمتعارف عليه من آداب الحوار مع شخص آخر أبدى رأيًا أو أضاف تعليقًا.. ونادرًا ما أنشر ذلك الذي أتلقاه إلكترونيا في هذه المساحة الورقية، غير أنني أستأذن في نشر بعض مما تلقيته سواء بوجه عام، أو ارتبط بالمقال الذي نشر الأسبوع الفائت بعنوان "دستور يا أسيادنا".

من الأستاذ الدكتور هاني شعيب أستاذ واستشاري الطب النفسي في المملكة المتحدة "بريطانيا"، تلقيت مع آخرين نصًا أراه مهمًا في ظروفنا الراهنة، ولن أستطرد في الحديث عنه لأنه من الوضوح بدرجة تغني عن التعليق عليه أو تقديمه، وهذا هو النص: "صديقي طبيب استشاري خدم هيئة الصحة البريطانية NHS لأكثر من أربعين عامًا.. تقاعد مؤخرًا والتقينا في سهرة عائلية، فحكى وأثار الشجون، وقال: في عام 2001 اكتشفت أنني مصاب بفيروس سي.. ونصحني الأطباء بأن حالتي لا تستدعي علاجًا، وأوصوا بالمتابعة، وكنت لا أشعر بأي أعراض وتسير حياتي سيرًا معتادًا، وأمارس عملي الطبي بالقدرة والكفاء نفسيهما، وفي آخر فحص لوظائف الكبد تبين أن حالتي قد اقتربت من مرحلة الحرج، لكن لم يكن هناك بعد مؤشرات على مرحلة الفشل الكبدي، وطلبت رأيًا من استشاري في مركز الكبد بمستشفى كنجز كولدج بلندن، فقال إن حالتي قد تستفيد من العلاج النشط بعقار السوفالدي، لكنه لا يظن أن حالتي تنطبق عليها القواعد المطبقة لصرف العلاج، طبقًا لبروتوكول هيئة الصحة البريطانية.

واستطرد الخبير أن كورس العلاج بعقار السوفالدي يكلف هيئة الصحة البريطانية 83000 ثلاثة وثمانين ألف جنيه استرليني للمريض الواحد، ولهذا فإن العلاج مقتصر على 10% عشرة بالمائة من مرضى فيروس سي، الذين تسوء حالاتهم لدرجة بدايات الفشل الكبدي، وهؤلاء فقط الذين يحق لهم العلاج المجاني.." ورد الطبيب المصري المريض على الخبير البريطاني: "ما تقوله لا يصدق، فأنا مواطن بريطاني أدفع ضرائبي بالكامل، وطبيب أفنيت من عمري المهني أربعين عاما في خدمة هيئة الصحة البريطانية، وبعد ذلك ليس من حقي الآن أن أعالج من مرض خطير، وأن عليّ الانتظار حتى تتدهور حالتي إلى بدايات الفشل الكبدي.. سأكتب للصحافة البريطانية عن هذه الفضيحة"، ثم صمت الخبير وقال: "من فضلك انتظر ودعني أعرض الأمر على المسؤولين. وبعد أسبوعين، تلقى الطبيب المريض إخطارا بالحضور للعلاج بعقار السوفالدي. وخضعت للاختبارات المعملية عدة أشهر واستمر العلاج لعام كامل، بعدها أظهرت الفحوصات أنني شفيت من فيروس سي..".

كان ذلك في عام 2018، ودمعت أعين الطبيب والحاضرين لأنه الطبيب المصري حامل الجنسية البريطانية أضاف أنه زار عائلته في السنبلاوين وعرف أن عددًا منهم تلقى العلاج بالسوفالدي، وأنهم شفوا من مرضهم، وأن العلاج صرف لهم مجانًا.. وعندها تساءل الرجل: هل أدرك أهل بلدي وكل المصريين معنى وقيمة ما حدث لهم وهل يعلمون أن تكلفة العلاج في بريطانيا للفرد الواحد ثلاثة وثمانين ألف جنيه إسترليني، وأن مصر عالجت حوالي مليوني "2 مليون" مواطن مجانًا، أي 2 مليون مواطن × 2 مليون جنيه = أربعة آلاف مليار جنيه مصري، حسب قيمة الجنيه الإسترليني بالعملة المصرية".

ويختم الدكتور هاني شعيب نصه بأنه صديقه استطرد قائلا: "في رحلة العودة من مصر لبريطانيا نظرت من نافذة الطائرة، وبدت القاهرة مغلفة ببخار الماء المختلط بالأتربة والرمال، وبدا النيل كسوارٍ فضي، ولاحت الأهرامات شامخة متحدية، فدمعت عيناي وهزتني رعشة ودق قلبي: تحيا مصر". انتهى ولا تعليق من جانبي ولا مجال لمناقشة الذين ينكرون ضوء الشمس من رمد.

وعلى مقال "دستور يا أسيادنا" المنشور هنا الأسبوع الفائت، تلقيت تسعة عشر تعليقا كان من أبرزها- بحكم الإضافة أو اختلاف الرؤية- ثلاثة تعليقات، وليس ذلك مفاضلة بين السادة الذين تفضلوا بالقراءة والتعقيب، من السادة الأفاضل الأستاذ الزميل نصر القفاص، والأستاذ الكبير الفنان المبدع المخرج محمد فاضل، ومن حكيم الأدباء وأديب الحكماء الدكتور شارل مجلي أستاذ طب القلب..

كتب الأستاذ الزميل نصر القفاص: "يا مولانا.. مع إني مستمتع بتجويد الصبر والصمت والملل.. لكن سامحكم الله على تحريضي ودفعي للخروج من صومعتي.. وأريد أن أقول لك إن المرض قديم.. وفقط تتجدد آلامه، ولعلك تذكر أن الوفد والزعيم سعد زغلول رفضوا دستور 1923 وأطلق سعد باشا على اللجنة التي عكفت على بنائه وصياغته "لجنة الأشقياء"، بل ذهب إلى وصفهم بأنهم برادع الإنجليز، ثم حصد الأغلبية وحكم بموجب هذا الدستور، وجاء محمد محمود الذي شارك في وضع الدستور وعطله لمجرد أنه أصبح رئيسًا للوزراء، وبعدها تحالف النحاس ومحمد محمود ضد دستور 1930 واستمروا يناضلون لعودة دستور 1923، وفي ظله الظليل قبل النحاس الوزارة، بعد أن داس الإنجليز على الدستور وكرامة الوطن والملك بالدبابات يوم 4 فبراير 1942، وفي ظل الدستور كان العبث بالبرلمانات والحكومات، وكان المهم أن يتناوب حماة الدستور على الحكم وينعمون بالثروة والنفوذ وذلك باسم الدستور، ولو أن الرئيس الحالي اتبع هذا المنهج لالتفوا من حوله دفاعًا عن أهمية وضرورة تعديل الدستور.. وتقبل عظيم تقديري على إبداع قلمك وجرأتك المعهودة وفكرك المستنير".. هذا ما تلقيته من العزيز الزميل الأستاذ نصر القفاص، والحقيقة عندي أنه كما نقول بالعامية "جاب التايهة" فكل التحية والشكر له.. أما بقية التعليقات فسوف أفرد لها المساحة في مرات مقبلة لعل وعسى أن يكون ذلك بداية الحوار العقلاني الواعي حول مسألة تعديل الدستور.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 20 فبراير 2019.

No comments:

Post a Comment